مفهوم الحقيقة La Vérité :
تمهيد:
لقد دأب الأنسان ومنذ زمان بعيد على الاشتغال
بقضية من أصعب القضايا التي أزمة الإنسان ومعه الفكر الإنساني. خصوصا أولئك الذين
يمتلكون قدرا كافي من العلم والمعرفة أمثال العلماء والفلاسفة. ولعل كل المحاولة
للإمساك بخيوط وتفاصيل هذه القضايا غلابا ما ينتهي، وسبب هو أن أغلبيية تصل نصف
الطريق وتغادر السباق؛ إلى حدود أن أحد فلاسفة اليونان كان يجول ذاخل السوق
العمومية حاملا معه مصباح منير وفي واضحة النهار، ولما سأل عن ماهو فاعل أجاب: إني
أبحث عن الحقيقة- يتعلق الأمر بالفيلسوف ديوجن.
تلك كانت هي القضية ليس لها مكان
ولا عنوان؛ إنها قضية البحث عن الحقيقة التي عان الكثير من الإمساك بها وربما هناك
من عاش المأساة نتيجة بحته المظني عنها، لي أنها ببساطة كانت مسألة مبدء (أمثال:
سقراط- جليلي- ابن رشد..)
إن طريق الحقيقة بهذا المعنى صعب وشائك
ومظنن، لكن رغم ذلك فنحن نبحث عنها. إنها تستلزم جهدا شاق وجاد للوصول إلى تلك
النقطة التي تظهر بعيدا. إنها الحقيقة ولعل السر في عدم الإمساك بها هو تعددها
واختلافها من خلال مظاهرها التي نصادفها وكأنها تظهر في عدة أمكنة وأزمنة مختلفة
وتستعمل في سياقات متعددة ومختلفة وتتناول على نطاق واسع إنها تظهر ولكن سرعان ما
تختفي إنها مطاطية وزئبقية يصعب الإمساك بها.
إنطلاقا من هذا الخطاب المؤزوم للحقيقة
نتسائل هل يمكن بلوغ حقيقة إعتمادا على الأراء و المعارف العامية؟ أم انها عائق يجب
التخلص منه والقطع معه؟ و كيف يمكن بلوغ الحقيقة؟ أي ماهو المعيار الذي يمكن
اعتماده لتأسيس الحقيقة؟ هل نعتمد على العقل أم على الحواس أم عليهما معا أم ان
هذه المعايير تقليدية وبالتالي وجب تحديثها؟