المحور الثالث: الايديولوجيا والوهم
تحليل نص الإيديولوجيا والوهم أولى باك
تأطير الاشكالي:
في المحاور السابقة الخاصة بمفهوم الوعي،(الوعي واللاوعي) خلصنا الى أن الانسان يتميز باعتباره كائن واعي اي يتأمل ويفكر... مما يجعله يشكل صورة عن نفسه والواقع يحاول من خلالها أن يعرف ذاته ومحيطه، فهل المعارف والأفكار التي يحملها الأنسان عن هذا الواقع حقيقة ام مجرد وهم؟ ألا تتدخل الإيديولوجيا في تشويه وقلب الواقع واعطاء صورة معكوسة عن هذا الواقع؟
|
الايديولوجيا والوهم - تحليل نص الإيديولوجيا والوهم أولى باك |
تحليل نص بول ريكور(2005-1913) كتاب المدرسي في رحاب الفسلفة:
بول ريكور:
فيلسوف فرنسي، من ممثلي التيار التأويلي اشتغل في حقل الاهتمام التأويلي ومن ثم بالاهتمام بالبنيوية، يعتبر ريكور رائد سؤال السرد. أشهر كتبه التاريخ والحقيقة، الزمن والحكي.
البنية المفاهيمية للنص:
ما هي الإيديولوجيا و الوهم؟
الإيديولوجيا: من حيث الإشتقاق تعني علم الأفكار أما في تعريف لالاند فهي علم موضوعه دراسة الأفكار ومزاياها وقوانينها، فهي إذن نسق من الأفكار والتمثلات التي تحملها جماعة ما حول أوضاعها (السياسية، ثقافية، دينية...) والتي تعكس موضوعيا الشروط الواقعية لحياة الناس.
الوهم: هو الظن الفاسد، وقد يطلق على الخداع الحسي كما يطلق الوهم على الأفكار التي لا مقابل لها في الواقع.
اشكالية النص:
هل يقدم لنا الوعي صورة حقيقة عن الذات والعالم؟ ماهي الأليات التي تشتغل من خلالها الإيديولوجيا؟ ماهي أهم وظائف الإيديولوجيا؟
اطروحة النص:
يرى بول ريكور أن الإيديولوجيا ماهي الا وعي زائف يقلب الحقائق ويشوهها، الإيديولوجيا هي اليات التشويه والتبرير والإدماج من خلال إنتاجها للوهم والخداع والكذب.
تحليل الأطروحة:
تمارس الإيديولوجيا وظائفها حسب بول ريكور من خلال ثلاث اليات:
- تشويه الواقع: حيث تعمل الايديولوجيا على إنتاج صورة معكوسة عن الواقع.
- تبرير: الاوضاع القائمة؛ اعطاء توضيحات وأسباب كامنة وراء ايديولوجيا معينة
- إدماج: الافراد في هوية الجماعة، حيث يثم الاحتفال بالأحداث المؤسسة لهذه الهوية ومحاولة ترسيخها لدى الأفراد وتكوين بنية رمزية للذاكرة الجماعية، وقد اعتير بول ريكور أو ظيفة الادماج هي الية اعمق واشمل من الوظائف الاخرى، فوظيفة الادماج تتضمن في طياتها وظيفة التبرير، ذلك لانه لكي تدمج الأفراد في ايديولوجيا معينة يجب بالضرورة أن تقدم لهم تبريرات تسهل عملية ادماجهم، أما انتاج الوهم فهو ناتج عن عناء يصيب عملية التبرير، أي ان التبرير حينما لا يكون معقولا يلتجأ إلى الأوهام والأساطير التي تقدم لنا صورة معكوسة عن الواقع.
البنية الحجاجية:
وظف بول ريكور في نصه مجموعة من الأساليب الحجاجية لعرض أفكاره والدفاع عن اطروحة أهمها:
- اسلوب الاستشهاد: حيث استشهد بول ريكور بالفيلسوف الألماني كارل ماركس الذي استخدم الايديولوجيا بمعنى انتاج صورة معكوسة عن الواقع.
- اسلوب الاستعارة: الايديولوجيا بمثابة العلبة السوداء، ليبين بأن الايديولوجيا تقوم بقلب الواقع مثلما تقوم العلبة السوداء بقلب اشياء الواقع في عملية التصوير الفوتوغرافي.
- اسلوب المثال: قدم مثال من التجربة والواقع نقصد مثال " الاحتفال باحياء الاحداث التاريخية والسياسية لجماعة ما" وذلك من اجل توضيح الوظيفة الادماجية للاديولوجيا.
وفي الاخير يخلص صاحب النص الى استنتاج يقدم من خلاله أطروحة اساسية القائلة بأن وظيفة الادماج هي اهم وظيفة، تقوم بيها الايديولوجيا تتضمن في طياتها الوظيفيتن السابقتين ويظهر ذلك من خلال المؤشر اللغوي التالي: يجب علينا أن ندعم بقوة...
المناقشة:
يدافع كارل ماركس علن اطروحة مفادها أن مختلف أشكال الوعي هي مجرد انعكاس لما يجري على مستوى الواقع وأن الايديولوجيا تقوم بقلب الواقع ولا تقدم لنا اية صورة حقيقية عنه بل مجرد زيف. ليوضح ذلك اعتمد كارل ماركس على اسلوب المثال: الغرفة السوداء لألة التصوير لكي يوضح لنا أن الناس يضهرون معكوسين في الايديولوجيا مثلما أن الاشياء تبدو مقلوبة في الغرفة السوداء لألة التصوير، اضاف ايضا شبكة العين وذلك لتوضيح ان الواقع الاجتماعي المادي ينعكس على مستوى الافكار الايديولوجيا مثلما تنعكس الاشياء على شبكية العين، فالظاهرة الاولى تاريخية وثقافية في حين أن الظاهرة الثانية بيولوجية وطبيعية.
- الانفتاح على تصور التوسير:
ينتقد التوسير تصور ماركس للاديولوجيا الذي يربطها بالوعي، ويرى في المقابل عكس ذلك بأنها صور وموضوعات ثقافية تفرض نفسها على الناس كبنيات لاواعية. وهي في تصوره لا تعبر عن العلاقة الحقيقية للناس بظروف عيشهم، بل مجرد تأويلات فكرية تصور عالما ممكن ووهميا أمثر مما تصف واقعا فعليا وحقيقيا. ان الايديولوجيا ادن مرتبطة باللاوعي وليست بالوعي وهي تمتلات تفرضها الاقلية على الاغلبية دون معرفة منهم، العلاقة بين الايديولوجيا والناس قائمة على الوهم. التركيب:
كاجابة عن الاشكالية المطروحة، نجد انفسنا أمام عدة مواقف كل منها يؤكد على أن مايدعيه هو ما يعالج اشكالية الايديولوجيا والوهم، حيث يرى بول ريكور أن الايديولوجيا نتاج واعي زائف عن الواقع وأنها تتجاوز التزييف الى التبرير والادماج.
في حين ان ماركس يعتقد ان الايديولوجيا ترتبط بالوعي وأن الوعي ليس هو من يحدد الحياة الاجتماعية بل الحياة الاجتماعية هي التي تحدد الوعي، فالايديولوجيا هي جزء اساسي من واقع اجتماعي فهي تشمل الانتاج الروحي والعقلي في مختلف اشكاله وضوره ومكوناته.
اما التوسير فقد اعتبر الايديولوجيا في جوهرها لاواعية كما انها لاتعبر عن الواقع، انها تعبير عن أمال وحنين للمجتمع أفضل أي تعبر عن اوهام وخيالات لا تمت للواقع بصلة.