مجزؤءة علوم التربية
مصطلحات أساسية في علوم التربية
عرف تعريف البيداغوجيا اختلافا مماثلا لنفس الاختلاف الذي عرفه تعريف التربية، و التعاريف العديدة التي قدمت بهذا الخصوص تبين حجم الإشكال الذي اعترى تحديده، و الذي يترجمه السؤال التالي: هل البيداغوجيا علم أم صناعة أم فن أم فلسفة؟ أم هي كلّ ذلك دونما حاجة إلى إقامة تمييز منهجي بين كل تلك الحقول ؟
-حاول دوركايم تعريف البيداغوجيا بإشارته إلى أنها " نظرية عملية موضوعها التفكير في نظم التربية و طرائقها بغية تقدير قيمتها، و بالتالي إفادة عمل المربين و توجيهه".
-أما ديوي فهو يطلق على ما أسماه دوركايم بالنظرية العلمية اسم " العلم،لأن هذه النظرية تستلزم أولا طرائق في البحث تماثل طرائق العلوم الأخرى،و لأنها بعد ذلك تضع نظاما من المبادئ الموجهة المستقاة من العلوم الأخرى التي تَمُتُّ إلى التربية بصلة، و تكون قادرة على أن تجعل عمليات الفن التربوي العملي أكثر تطابقا مع العقل، و أكثر انسجاما مع الذكاء.و من هنا تثار العلاقة بين التربية و البيداغوجيا انطلاقا من العلاقة القائمة بين النظرية و الممارسة.
و ينتهي روني أوبير بهذا الخصوص بعد عرضه لجملة من تعاريف البيداغوجيا إلى أن هذه الأخيرة " بعد أن تضع المبادئ و تحدد الأهداف،تنتقل إلى التطبيق العملي،أي بعد أن تكون عامة تصبح تطبيقية، حيث تُعنى بحل المشكلات المختلفة المتصلة بعناصر التربية و طرائقها و أساليب تنظيمها المدرسي"- إن الظاهرة التربوية أوسع بكثير من أن يستوعبها علم واحد، فكانت النتيجة الحتمية هي العمل على تجاوز علم التربية بالمفرد، و استبداله بمصطلح جديد يحتضن كل الحقول المعرفية التي تتناول التربية من مختلف الزوايا، و هو ما بات يعرف اليوم بـ " علوم التربية".
إن الظاهرة التربوية فعالية إنسانية تتداخل فيها عدة عناصر: البيولوجية،السيكولوجية،السوسيولوجية ، الاقتصادية ... أي يتداخل فيها كل ما هو ذاتي مرتبط بالفرد نفسه، و ما هو موضوعي يرتبط بالمؤسسات و الشروط العامة و الخاصة التي تمارس في إطارها عملية التربية.فلسفة التربية:
Philosophie de l’éducation
هي تناول للظاهرة التربوية في شموليتها وكليتها من منظور فلسفي خالص،أي وضع التربية موضع النظر والتأمل والتساؤل أي البحث في ماهيتها وطبيعتها ومصادرها وإمكاناتها وغاياتها... وكشف علاقتها بالفلسفة العامة للمجتمع.
و نظرا للدور التوجيهي لفلسفة التربية، فهي تركز على الغايات البعيدة للتربية
ما الإنسان / المتعلم الذي نريد تربيته وتكوينه ؟ ماهي مواصفاته وخصائصه وقيمه ...؟
سوسيولوجية التربيةSociologie de l’éducation
و هي حقل يهتم بمقاربة الظاهرة التربوية مقاربة تعتمد على القواعد المنهجية للسوسيولوجيا في دراسة و تحليل الظروف و الملابسات الاجتماعية المحيطة أو المؤطرة للموقف التربوي، فتهتم نتيجة لذلك بعدد من الموضوعات السوسيوتربوية في مقدمتها:
- دراسة الأنظمة التعليمية و تحليلها.
- التنظيم المدرسي و علاقته بسوق الشغل.
- البحث في الأصل الاجتماعي للمتعلم و علاقته بتحصيله الدراسي.
- الفشل الدراسي.
تفيد في الكشف عن طبيعة الأطر المرجعية التي تتحكم في تربية الطفل و تنشئته، خاصة الأسرة بمناخها العاطفي و مستواها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي ... و طبيعة العلاقات الاجتماعية و أساليب المعاملة السائدة داخلها
- تسمح لنا سوسيولوجية المدرسة بادراك الشروط والعوائق السوسيوثقافية (لغة و قيم وثقافة...) التي تؤثر سلبا أو إيجابا على التعلم إضافة إلى عوامل سوسيواقتصادية (الانتماء الاجتماعي – الطبقي للمتعلمين) التي تؤثر في التعلم المدرسي وتساهم هذه المعطيات في تبيان أن العديد من الصعوبات التي تعترض التلميذ قد تعود إلى أسباب غير مدرسية.
- تمكن المدرس من البيانات والمعطيات التي تهم المتعلم كالسن والجنس و مستوى الذكاء و كذلك سمات الوسط الاجتماعي.
-تزود الباحث والمدرس بمختلف المتغيرات المهنية التي قد تكون نتيجة لتوجهات سياسية و نقابية و اقتصادية و متأثرة بظروف العمل و إكراهات مختلفة أو بعوامل نفسية و اجتماعية
- اهتمت سوسيولوجيا التربية في دراسة موضوع التربية عن طريق المقاربة الاجتماعية كتدخل السياسي والاجتماعي والايديولوجي في المجال التربوي، ومن القضايا التي عالجتها سوسولوجية التربية:
- التربية غير حيادية، فهي ليست مجرد تلقين المعارف والمهارات، ولكن تهيئة الفرد اجتماعيا وسياسيا.
- الفشل الدراسي وعدم تكافؤ الفرص مسؤولية المجتمع ومؤسساته..
- التربية مشروع مجتمعي.
- دراسة المؤسسات المدرسية لمعرفة مدى تأثيرها على التربية.
- ديمقراطية التعليم، مرتبط بأهمية التغيير الاجتماعي.
- التربية استثمار تنموي يخدم الفرد والمجتمع
سيكولوجيا التربية: Psychologie de l’éducation
- يهتم هذا الحقل بمقاربة الظاهرة التربوية مقاربة ترتكز على أطروحات السيكولوجيا بمختلف فروعها.
- تتناول كل ما هو ذو بعد سيكولوجي مرتبط بشخصية الطفل،فتدرس قضايا النمو النفسي بجوانبه المختلفة في علاقتها بالتربية.
- تدرس التعلم و طرائقه و محتوياته و أشكال تقويمه، و بعبارة أدق،كل موقف تربوي يكون الطفل العنصر المستهدف فيه بشكل مباشر أو غير مباشر.
- الكشف عن العوامل السيكولوجية المرتبطة بشخص المتعلم ذاته، كالقلق و التوتر و اضطراب الحياة الانفعالية، والحافزية والرغبة والميول..
- تفيدنا السيكولوجية كذلك في تحديد العلاقة بين خصوصيات المتعلمين العقلية والوجدانية وطبيعة المادة الدراسية.
- التعرف على العوائق السيكوبيداغوجية التي تعترض تعلم المتعلم لمادة دراسية ما .
فيزيولوجيا التربية Physiologie de l’éducation
- يحاول هذا العلم أن يقارب الظاهرة التربوية مقاربة فيزيولوجية، و يدخل في هذا الإطار مجموعة من الشروط ترتبط أهمها بالصحة و التغذية المتوازنة و النوم الكافي ... و لهذا تركز " فيزيولوجيا التربية" اهتمامها على العلاقة القائمة بين هذه الشروط و بين التعلم المدرسي .
ومن التساؤلات التي يطرحها هذا الفرع العلمي :
ـ ما هي القوانين الفيزيولوجية المتحكمة في الأساس البيولوجي لعملية النمو ؟
ـ كيف تنمو الإيقاعات الحيوية (النوم،اللعب،الانتباه ...) و ما علاقتها بالتعلم المدرسي ؟
ـ ما هي الآثار التي تحدثها التغذية على المستوى الكمي و النوعي في النمو المدرسي للطفل ؟
سيكوسوسيولوجيا التربية: Psychosociologie de l’éducation
- هي مقاربةً ترتكز على التفاعل بين ما هو نفسي و ما هو اجتماعي، أي ما ينتج عن تفاعل الأفراد داخل الجماعات التربوية الصغيرة كجماعة الفصل الدراسي، و ما يترتب عن ذلك من آثار إيجابية أو سلبية على مناخ الجماعة، و من خلاله على مستوى التعلم و التحصيل.
- و من المحاور الرئيسة التي يختص بها هذا الحقل نذكر: دينامية الجماعة (خاصة جماعة القسم)، التواصل التربوي...
- تفيد في تحديد المكانة السوسيومترية لكل عنصر داخل تلك الجماعة و مواقع التقبل و النبذ بالنسبة لكل فرد من أفرادها...
انتروبولوجيا التربية Anthropologie de l’éducation
ا-الأنتروبولوجيا التربوية تستجيب لتساؤلات وجودية حيوية جديدة في الحياة التربوية، تتمثل، في العنف التربوي، والتمييز الاجتماعي، والتعصب، والعودة إلى المقدس، وتراجع القيم، وظهور أنماط جديدة للعلاقات الاجتماعية، وأزمة الهوية، وأزمة الانتماء، وتفكك الأسرة، والقضايا التربوية للفئات العرقية والإثنية.
- وفي هذا المسار تعمل الأنتروبولوجيا على تنظيم هذه القضيايا في سياقها الثقافي والاجتماعي والانتقال بها من صورة التعقيد التي هي عليه إلى الوضوح الأنتربولوجي في أسمى معانيه.
المحطات التاريخية لتطور
انتروبولوجيا التربية
تتمثل المحطة الأولى في عام 1955 عندما نشر سبندلر G. D. Spindler كتابه المعروف التربية والأنتربولوجيا Education and Anthropology في ستاندفور.
وتتمركز المحطة الثانية في عام 1970 أي في السنة التي تمّ فيها تأسيس مجلس الأنتربولوجيا والتربية Council of Anthroplogy and Education بإشراف الجمعية الأنتربولوجية الأمريكية American Anthropological
Association.
- تنتظم المحطة الثالثة مع ظهور الدورية العلمية الفصلية التي حملت اسم الأنتربولوجيا والتربية Anthropology and education Quarterly في عام1978. وقد ظهرت الأنتربولوجيا التربوية وعملت على تحقيق استقلالها من خلال التجاوب مع الضرورة الاجتماعية والاحتياجات العلمية في نتهاية عام 1960
العوامل التي أدت إلى ظهورها :
عوامل اجتماعية سياسية: وذلك عندما استعانت الحكومة الأمريكية بعلماء الأنتربولوجيا لمواجهة المشكلات التربوية المتعلقة بالفئات الاجتماعية العرقية والأقليات الدينية والفئات الاجتماعية الفقيرة.
- إن بعض الأنتربولوجيين قاموا بتصنيف الجماعات الفقيرة في المجتمع الأمريكي بوصفها أقليات ثقافية، وهذا ما يمكن ملاحظته بصورة متواترة في نصوص الباحث الأنتربويلوجي المعروف أوكبو Ogbu
عوامل إبيستيمولوجية: وقد تمثلت في الخلاف بين الأنتربولوجيين وعلماء النفس التربويين حول مفهوم الحرمان الثقافي وجوهر هذا الخلاف يكمن في تجاهل علم النفس التربوي للظروف الاجتماعية اللغوية والإثنية والثقافية التي تشكل مبدأ العطالة المدرسية من وجهة نظر الأنتروبولوجيين بينما كان علماء النفس التربوي يأخذون بالطابع السيكولوجي لهذه المسألة دون اهتمام كبير بالأوضاع الاجتماعية.
- وفي مواجهة المفهوم السيكولوجي (الحرمان الثقافي) استخدم الانتربولوجيون مفهوما بديلا هو القطيعة الثقافية أو الثغرات الثقافية (Ogbu, 1982, 291).
Boas - يركز مفهوم النسبية الثقافية على أبحاث هذا أبحاث
كان شغوفا بجمع المعطيات الثقافية وليبرهن على أن التباين والاختلاف في التحصيل المدرسي ناجم عن الاختلاف في الثقافات وليس في العناصر المادية والفريزيائية والجغرافية للسكان الأصليين.
-في هذا السياق يرفض مالينوفسكي Malinowski بقوة الفرضية التي تذهب إلى القول بأن انخفاض مستوى ذكاء الشعوب الأصلية ولاسيما الشعوب الإفريقية وفقا لمقياس الذكاء المعروف Qi (Intelligence Quotient) يعود لعوامل بيولوجية وعرقية.
- ويفسر هذا التباين في مستويات الذكاء بالعودة إلى مستوى التعليم المتدني الذي يتلقاه الأطفال الإفريقيين بالمقارنة مع التعليم الجيد الذي يتلقاه الأطفال الأوروبيين. , وكان ينصح المربين باحترام الثقافات التقليدية للسكان الأصلين والمحافظة عليها.