المحور الثاني: معرفة الغير
تاطير اشكالي:
يعد الغير انسان اخر يمتلك مقومات وخصوصيات تميزه عن الاخرين، انه عالم اخر يستوجب من معرفته والانفتاح عليه، انه مثلي لكنه يختلف عني فهو الأنا الذي ليس أنا. كما أن الحياة الاجتماعية تفترض وجود الغير ومنه فإننا نتسائل: هل معرفة الغير ممكنة؟ وان كانت فعلا ممكنة فعلى أي اساس تقوم؟ أم ان هذه المعرفة ليست الا افتراضية، تخمينية ؟ او انها مستحيلة تماما؟
الوضع البشري - مفهو الغير - محور الثاني معرفة الغير |
معرفة الغير صعبة:
نصوص مفهوم الغير |
للاجابة عن هذه الاشكالات سنقف عند مجموعة من التصورات الفلسفية، من بينها تصور جون بول سارتر الذي يرى أن البعد التشيئي بين الانا والغير؛ يضهر من خلال تجربة الخجل حيث يقول جون بول سارتر: أنا خجول من نفسي حيث اتبدى للاخر.
ان نظرة الاخر تصيبني بالانفعال والانكماش والشلال في الحركة، انها تنفقدني عفويتي. نتيجة هذه النظرة الانتقاصية والاستفزازية وسلب كل مقومات الذات؛ ولعل هذا ما يدل عليه قول الشهير لي سارتر الاخرون هم الجحيم. من خلال ماسبق نفهم على أن هذه النظرة التشيئية والتي تحولني الى موضوع حاجز امام تواصل ممكن مع الغير، بالتالي تبقى الذات معزولة ومحجوبة وراء فرديتها الخاصة خوفا من الاخر مادم هو الجحيم .
الشيء الذي سيؤكده الفيلسوف مالبرانش بقوله: اننا لا نعرف نفوس الناس الاخرين، ولا نعرف عقولهم كما هي إلا معرفة قائمة على التخمين. فمعرفة الغير مع مالبرانش تبقى معرفة قائمة على التخميين، يرى مالبرانش أننا لن نخطئ إن نحن أصدرنا على الغير أحكاما مثل كونه يعلم أن أربعة هي حاصل ضرب إثنين في إثنين، أو كونه يحب أن يكون الانسان عادلا على أن يكون غنيا، أو أنه يحب الخير و اللذة ويكره الشر أو الألم.
لكن، بما أن الجسد له دور في إصدار أحكام على ذواتنا، فنحن غالبا ما نخطئ إذا أصدرنا نفس تلك الأحكام على الغير. ومن بين الأمثلة التي يقدمها مالبرنش لتوضيح ذلك، هو الشعور بالحرارة، أو إبصار مقدار ما أو لون ما، أو شم رائحة عند الاقتراب من جسم ما، فهنا يتدخل الجسد، والغير لا يعيش نفس التجربة، فقد لا يشعر بنفس مقدار الحرارة، ولا يبصر نفس المقدار، ولا يشم نفس الرائحة، وهكذا فالغير لا يشبهنا، ولا يشعر بنفس ما نشعر به، وبالتالي لا يمكن أن نسقط ما نشعر به عليه، وحين نصدر حكما عليه بأنه يشعر بنفس ما نشعر به، فغالبا ما يخطئ حكمنا هذا القائم على المماثلة.
معرفة الغير ممكنة:
لكن، ألسنا أمام نوع من المفارقة والتي تتمثل في إثبات مالبرانش لنوع من معرفة الغير بالرغم من ادعائه صعوبة المعرفة؟ فالتخمين وإطلاق فرضيات فهي على كل حال نوع من المعرفة، وإن لم تكن بالضرورة معرفة حقيقية شبيهة بمعرفة العالم المادي. الامر الذي دفع ميرلوبونتي الى القول بامكانية معرفة الغير، فلا نظرة التشيئية الموضوعية (تحولني الموضوع) التي تحدث عنها سارتر تقف حاجز امام معرفة الغير؛ الا اذا كانت النظرة المتبادلة نظرة لا انسانية يقول ميرلوبونتي: "و الواقع أن نظرة الغير لا تحولني إلى موضوع ، كما أن نظرتي لا تحوله إلى موضوع إلا إذا انسحب كل منا و قبع داخل طبيعته المفكرة أو جعلنا نظرة بعضنا إلى بعض لاإنسانية " رغما ان رفض التواصل هو ايضا نمط من اماط التواصل.
نفهم من قول ميرلوبونتي على أن التشيئ يكون عندما يغيب التواصل، وهكذا تكون معرفة الغير ممكنة من خلال التواصل الذي يمكنني من اكتشاف عالم الغير والتعاطف معه والانخراط معه في علاقة تواصلية، إن وجود الأنا يكاد يكون لاغيا إن لم يكن يقصد الغير.
التركيب:
حاصل القول، إن معرفة الغير تظل إشكالا فلسفيا مفتوحا يتأرجح بين تصورات فلسفية متباينة بشأن امكانية هذه المعرفة أو عدم امكانيتها، فمعرفة الغير عبر التواصل الانساني ممكنة حسب ميرلوبونتي لكن هذه المعرفة قد تكون مستحيلة أو غير يقينية على الأقل، إن انعدمت إمكانية التواصل، وإن كان الغير قادرا على قطع الصلة بين عالمه الخارجي وحياة النفسية، أو على إخفاء ما يشكل حقيقة ذاته. وسواء قلنا بإمكانية معرفة الغير أو باستحالة معرفته، فيجب التأكيد على ضرورة النظر إليه كذات وليس كشيء، وأن نتعامل معه كغاية، وهنا يمكن أن نختم قولنا بقول كانط: “عامل الإنسانية في شخصك كما في شخص غيرك، دائما وأبدا كغاية وليس كمجرد وسيلة”
تجدون ايضا على الموقع: