مجزوءة الإنسان
1- الوعي واللاوعي :
هذه المشكلة/المسألة نحدد أبعادها: معرفية (الوعي)
نفسية (اللاوعي)
اجتماعية (الوعي
بالآخر )
ماهي المفارقة التي تطرحها ؟
- من جهة الإنسان كائن عاقل يدرك ذاته ومحيطه:
*إمكانية الوعي
بالذات بالآخر وبالعالم
*إمكانية إنتاج
أفكار وتصورات بصدد الذات والآخر والعالم .
- تميز الإنسان
باللاوعي ، هذه المفارقة يترتب عنها :
§
قيمة المعرفة ومحدودية الإرادة والمعرفة الإنسانية باعتبار الوهم مثلا يحد
من المعرفة الإنسانية.
§
تحيل المسألة الثانية إلى علاقة الوعي واللاوعي الفردي بالوعي واللاوعي
الجماعي، وطبيعة التصورات ومدى قدرتها على التعبير عن حقيقة الوعي.
أولا ، التساؤل حول طبيعة الإدراك الحسي ،ومدى خصوصية الوعي كظاهرة إنسانية
محضة وما علاقته بالفكر والممارسة الإنسانية ؟وبأي معنى يمكن التمييز بين درجات
الوعي ؟ ماطبيعة اللاوعي وكيف تتحدد مختلف تجلياته ؟ وكيف تتحدد ماهية الايدولوجيا
في تكوين ذاكرة الفرد ؟
2- مفهوم الرغبة :
تحيل الرغبة إلى ازدواجية
الوضع الإنساني كجسد وكنفس ( روح وفكر)
فالإنسان بقدر ما يعي
ذاته (ماهو مادي ، نفسي وروحي ) بقدر ما يحقق وعيا بالآخرين وبالعالم .كما تحيل
إلى مفارقة تميز مجال الأهواء والانفعالات، فبقدر ما ينفعل الإنسان بها بقدر ما
تجعله يتحول إلى فاعل لتحقيق تلك الرغبة.
-
الفلسفة القديمة: أجمعت على إخضاع
الانفعالات لسلطة العقل ، لتحقيق السعادة الإنسانية التي تتجاوز مستوى اللذة
الجسدية إلى اللذة الروحية .
-
الفلسفة الحديثة: أقرت بالطبيعة
الإنسانية للانفعالات والأهواء ( ديكارت : اعتبار الأهواء والانفعالات شيء يميز الطبيعة
الإنسانية ، الرغبة إحدى المحددات الأساسية للإنسان )
من هنا وجب التساؤل حول ماهية الرغبة ؟ هل هي سعي لبلوغ اللذة ؟ أم أنها
تتوخى تحقيق موضوع ما ؟ أم أنها تتجاوزهما للرغبة في ذوات أخرى (هي راغبة أيضا) ؟
تحديد طبيعة الرغبة: ميل واعي لتحقيق الرغبة.
-
سبينوزا : ما يشكل إحدى شروط وجود الإنسان الأساسية هي الرغبة.
-
الرغبات بقدر ما تتنوع بقدر ما يؤثر اختلافها وصراعها على الإنسان ، وهذا
لايستبعد وجود رغبات لا شعورية.
-
الإنسان يرغب في ما يحقق اللذة ويتجنب ما يحقق الألم. ألا يترتب عن هذا
الإقرار حكم قيمة، بقدر ما يعلي من الرغبة المتعلقة بالروح بقدر ما يحقر من الرغبة
المتعلقة باللذة.
-
ما يعطي للرغبة مضمونا هو طبيعة الموضوع الذي تسعى إلى تحقيقه. ومن هنا
تتنوع الرغبات وتختلف.
-
الإنسان لايرغب في تحقيق المتعة بل يتجاوزها عندما يرغب في ذات أخرى ليست
مماثلة لرغباته وأهواءه.
-
الرغبة تنبثق من مجال الميل، ومن هنا تطرح علاقة الرغبة بالإرادة.
-
كلما ابتعدت الرغبة عن الإرادة، كلما عبرت عن جنوح الأهواء
والانفعالات وتهدد الفرد في كيان سعادته وتتسبب في شقاءه.
من هنا تطرح علاقة الرغبة بالسعادة. عندما تتجاوز الأهواء
حدود اﻹعتدال تتسبب في شقاء الفرد. كيف
يمكن إرضاء جميع الرغبات ؟ أم يجب اﻹقتصار على الرغبات اﻹيجابية ؟ أم أن هذا
التصنيف المعياري سوف يؤدي إلى إهمال الرغبات اللاشعورية ؟
الوعي و اللاوعي:
تأطــــير إشكالــــي:
- تطرح مسألة الوعي واللاوعي، بمختلف أبعادها المعرفية والنفسية واﻹجتماعية مفارقة أساسية إذ من جهة تقوم على اعتبار الكائن الإنساني كائنا
عاقلا يتميز بالقدرة على إدراك ذاته ومحيطه، وما يترتب عن ذلك من إمكانية الوعي
بالذات وبالآخرين وبالوجود الخارجي وإنتاج أفكار وتصورات بصددها. ومن جهة ثانية
تسم الإنسان بخاصية اللاوعي وما يستتبعها من تساؤل حول قيمة المعرفة ومحدودية
الإرادة والحرية الإنسانية ؟ خصوصا إذا افترضنا أن الوهم قد يطال المعرفة
الإنسانية، وأن الوعي الإنساني لايرقى دائما إلى مستوى إدراك الضرورات التي تحد من
إرادة الإنسان وحريته ومسؤوليته تجاه ذاته وتجاه الآخرين.
- إن اﻹعتبارات السابقة بقدر ما تنطبق على الإنسان كفرد
و ذات بقدر ما تنطبق كذلك على النوع الإنساني كجماعة تنتظم في إطار مجتمع يتميز
بخصوصيته الثقافية والحضارية. من هذا المنطلق تترتب عن المسألة الأولى مسألة
ثانية تحيل إلى علاقة الوعي واللاوعي الجماعيين، وطبيعة التمثلات والتصورات التي
تحكم هذه العلاقة، ونوعية المؤسسات اﻹجتماعية التي
تسهم في إعادة إنتاجها أو إنتاج تمثلات وتصورات مغايرة للمواصفات المجتمعية وكذلك
مدى قدرة هذه التمثلات على التعبير عن حقيقة الواقع، أم العكس تكريسها لوعي خاطئ بصدد واقع موهوم.
- من منطلق المعطيات السالفة تترتب مجموعة من القضايا تحيل إلى التساؤل :
حول طبيعة الإدراك الحسي، وقيمة المعرفة الحسية ووظيفتها في قيام الشعور
وتحقق الوعي بالذات وبالعالم،
ومدى خصوصية الوعي كظاهرة إنسانية محضة وما علاقته بالفكر والممارسة
الإنسانية بمختلف أبعادها، وبأي معنى يمكن التمييز بين أنماط الوعي ومراتبه
وحدوده،
وما طبيعة اللاوعي وكيف تتحدد مختلف تجلياته، وما علاقته بالوعي والفكر
ومدى انعكاسه على الفعل الإنساني؟
وكيف تتحدد ماهية اﻹيديولوجيا
ووظيفتها في تكوين تمثلات الفرد والجماعة، وإشاعة تصورات تتخذ صفة حقائق لا مجال
للشك فيها ؟
تمكن مجمل التساؤلات السالفة من توظيف مجموعة من
المقاربات لمسألة الوعي واللاوعي من ضمنها مقاربتين أساسيتين، تحيل أولاهما إلى
المقاربة الفلسفية ممثلة في النموذج الديكارتي، في حين تحيل الثانية لمجال العلوم
الإنسانية وبالخصوص مجال التحليل النفسي.
تتمثل أهمية المقاربة الأولى باعتبارها شكلت منطلقا للتأسيس الفعلي للفلسفة
الحديثة عموما ولفلسفات الوعي على الخصوص، في حين شكلت المقاربة الثانية تحولا
جذريا في مجال مقاربة الظاهرة الإنسانية وخصوصا في بعدها النفسي ؟ هذا التحول سيجد
صدى له في مختلف الحقول المعرفية الأخرى.
لقد قامت الفلسفة الديكارتية على مبدأين أساسيين، يقومان على اعتماد الملكة
العقلية كقدرة، والشك كمنهج. إن الشك المنهجي هو الوسيلة التي تسمح بإمكانية
تأسيس المعارف العلمية، في حين إن الشك الميتافيزيقي هو أداة الكشف عن الوجود. بهذا تتحدد
الملكة العقلية بالقدرة على إصدار الأحكام الصحيحة واثبات الحقائق التي ترتبط
ضرورة فيما بينها بقدر ما يتم تحقق تمايزها، باعتبار أن تمييز الأفكار بعضها عن
البعض الآخر يسمح بالإجابة عن علاقاتها ويمكن الفكر من الربط فيما بينها.
إن الملكة العقلية بقدر ما تمكن من حدس البديهيات والربط فيما بينها، بقدر
ما يتخذ النزوع نحو الشك شكلا منظما ويسمح النفي بتحديد خطوات البحث.
إن لحظة الشك إذ تطال، من جهة، الحواس والجسم والشكل والامتداد والحركة
والمكان، ومن جهة أخرى، الألوهة وسائر القوى الروحية، فإنها تؤسس الحقيقة البديهية
الأولى: " أنا أفكر، أنا موجود ". إن تجربة الشك تترتب عنها
تجربة التفكير ووجود الأنا المفكرة، وهكذا يتأسس الكوجيطو الديكارتي انطلاقا من
ثلاث مكونات تتمثل في الشك والتفكير والوجود؟ كما يقوم على ثلاث تغيرات تحيل أولا
إلى الشك – حسيا كان، أو علميا، أو ميتافيزيقيا – وثانيا إلى
الفكر الذي يمكن من إنتاج الأفكار ويسمح بقيام الخيال والإحساس، وثالثا إلى
الوجود، باعتباره وجودا لامتناهيا – الله – ، ووجودا مفكرا
متناهيا – الإنسان – ، وأخيرا وجودا ممتدا – المادة -.
مما سبق تتضح معالم المشكلة الديكارتية من خلال التساؤل عن إمكانية قيام
العلم اليقيني، وهو التساؤل الذي سيرسم أفقا جديدا للبحث الفلسفي، الذي لم يعد
يحدد شرط قيام اليقين بالاقتصار على صرامة ودقة البرهنة العقلية، بقدر ما يشترط في
اليقين تحقيق الموضوعية وربط المفاهيم بأشياء خارجية، بحيث تسمح هذه الإحالة بقيام
الحقيقة. من هنا، يتضح أن الممارسة العلمية تستبقها إعادة صياغة المقولات
الميتافيزيقية على أسس جديدة، تقر بوجود الذات المفكرة وتثبت وجود الذات الإلهية،
وتقبل بالاختيار الحر.
إن تحديد طبيعة المشكلة الديكارتية يبرز أن تجربة الشك تؤكد أولوية الذات
باعتبارها المبدأ الأول في نظام المعرفة، ذلك أن ممارسة الشك تعبر عن مكانة الذات
وقدرتها على نفي الموضوع. هذه القدرة التي ترتبط بوجود تلك الذات ذاتها. إن الخاصية
المميزة للكائن المفكر تتمثل في قدرته على التفكير في ذاته، من هنا تنكشف للذات
طبيعتها الروحية. إن الأنا المفكرة قادرة على التعرف على ذاتها، ولا يتحقق لها ذلك، إلا
انطلاقا من الوعي بتمايزها عن الجسم، من هنا نجدنا أمام جوهرين متمايزين: الجسم والروح.
إن الجسم امتداد خالص يتميز باستمراريته وقابليته للقسمة وثلاثية أبعاده- القول، العرض،
العمق – وكثافته كموضوع خارجي، إضافة لحركته. في مقابل ذلك
تتحدد الروح أو النفس باعتبارها فكرا خالصا يتميز بالوحدة والباطنية والتفرد وعدم
قابليته للقسمة كما يتميز بالإرادة والحرية.
إن الذات المفكرة هي بمثابة " أنا " يتم الوعي بها
عبر التجربة الباطنية كتجربة متفردة تضع التجربة الروحية في مركز العالم، على
اعتبار أن الجسم مهما كانت خصائصه لايمكنه أن يتموضع كمركز لكون لامتناهي، في حين
إن الفكر هو قطب ومركز الأنا.
يترتب عما سبق أن الفكر هو الذي يضفي على الجسم وحدته وتميزه، كما أن فكرة
ماهية الأنا المفكرة والفاعلة في نفس الآن.
لقد شكل الكوجيطو الديكارتي موضوع جدل فلسفي شغل مجمل الفلسفات الحديثة
والمعاصرة، وبذلك تتضح الأهمية الفلسفية والتاريخية للفلسفة الديكارتية، بحيث
يعتبر هيجل: « إن ديكارت عمليا هو المؤسس الفعلي للفلسفة الحديثة باعتبارها تعتمد الفكر
كمبدأ. إن الأثر الذي وهم به
ديكارت عصره والعصور الحديثة لمن العمق بحيث لن نبالغ أبدا في تقديره حق قدره، انه
بمثابة بطل، نظرا لكونه تناول المواضيع انطلاقا من أسسها وبداياتها الأولى، الشيء
الذي مكنه من استرجاع المنطلق الحقيقي للفلسفة والذي زاغت عنه لمدة ألف سنة » هيجل، تاريخ
الفلسفة.
إن الجدل الفلسفي الذي سبقت الإشارة إليه، يمكن أن نعرف له من خلال
مقاربتين فلسفيتين تعرضتا بالنقد للكوجيطو الديكارتي وتخصان كل من كيركجارد
وليبنتز.
يعتبر كيركجارد* أن الوجود باعتباره يحيل إلى ماهو خارجي وواقعي
يقابل الفكر الذي يتميز بالباطنية والتجريد، هذا التقابل لايعني التعارض باعتبار
أن كل ذات مفكرة هي موجودة ضرورة كما أن الوجود هو أساس وموضوع كل تفكير. وبالتالي إن
محاولة إثبات الوجود بواسطة الفكر يتضمن تناقضا على اعتبار أن كل فكر مجرد هو
ضرورة تجريد للوجود الذي يدعي محاولة إثباته. من هنا إن
الكوجيطو الديكارتي إذ يسعى للانتقال من الفكر إلى الوجود، يقوم في الحقيقة بتحصيل
حاصل، ذلك أن الإثبات المتعلق ب " أنا مفكر " يعني نفس الإثبات
الثاني " أنا موجود "
يترتب عن ذلك، أن القضية
الديكارتية " أنا أفكر، أنا موجود " لاتتبث بتاتا أن الفكر
سابق عن الوجود وأن الماهية سابقة عن الموجود، ذلك أن " الأنا " لايعبر عن باطنية
مجردة بقدر ما هو باطنية تجرد وجودها. إن الفكر إذ يمكن من معرفة الواقع لايمكنه بتاتا
التجرد كلية مما هو واقعي.
إضافة إلى الموقف السابق يتحدد موقف ليبنتز** انطلاقا من
التمييز بين نمطين من الحقيقة، يحيل أولهما إلى حقائق العقل باعتبارها مبادئ عقلية
كمبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض ومبدأ الثالث المرفوع، في حين يتعلق النمط الثاني
بالحقائق المرتبطة باﻹدراكات المباشرة
والتي تشكل الوعي باعتباره "أنا" مفكرة في علاقتها
بمواضيع تفكيرها.
من هنا، عن اليقين الأول "أنا أفكر" يترتب ضرورة
اليقين الثاني "أنا أفكر في أشياء مختلفة"، وبالتالي إن الكوجيطو
كقضية يظل غير مكتمل عندما يتجرد من المواضيع التي تؤثر في الفكر وينفعل الفكر
بها، مما يترتب عنه استحالة تجرد الفكر عن الواقع.
انطلاقا من مجمل المعطيات السابقة يمكن أن نخلص إلى كون مقاربة مفهوم الوعي
في علاقته بالفكر والشعور، تحيل بالضرورة إلى طرح المستويات الأساسية التي يمكن من
خلالها معالجة مسألة الأنا كوعي وكشعور وتتحدد كالتالي:
فلسفيا، حيث يطرح السؤال عن مدى محورية الذات العارفة ومدى معرفتها لذاتها
وتحقق وعيها بالغير وبالعالم،
أخلاقيا، على اعتبار أن الأنا لايقوم فقط على الشعور والإحساس والوعي، بقدر
ما يقوم كذلك على إصدار الأحكام، ومن هنا تطرح ضرورة التساؤل عن مدى مسؤولية الذات
عن الأحكام التي تصدرها، والى أي مدى يسهم الآخر في تحديد طبيعتها ؟
سيكولوجيا، باعتبار أن الشعور هو إحساس بالتجربة الباطنية سواء تعلق الأمر
بالإدراك أو الرغبة أوالتعلم أو الانفعال. من هنا يطرح
السؤال بصدد مكانة الشعور في الحياة النفسية، وهل يمكن اعتباره قوامها أم بعد من
أبعادها، أم أنه فقط مكون نفسي تتحكم فيه مكونات أخرى ؟
إن تجاوز الأطروحة الديكارتية القائمة على محورية " الأنا " وثنائية الجسم/ الروح، فلسفيا،
سيمهد بشكل من الأشكال ﻹعادة النظر في محورية الشعور في مقاربة الظاهرة النفسية مع نظرية التحليل
النفسي.
ذلك أن مناهضة العقلانية الديكارتية وجد بداياته الأولى مع الاتجاه
التجريبي، وبالخصوص مع "دافيد هيوم" الذي اعتبر
الإحساس والشعور بالأنا يتطلب شرطا أساسيا يتحقق بواسطة الإدراكات الحسية، فالشعور
هو دوما شعور يتم بواسطة الإدراك الحسي ويكتمل بوجود الغير. من هنا يرتبط
الشعور بالجسم الذي ينقل الإدراكات الحسية التي تثيرها المواضيع الخارجية، وبغياب
تلك الإدراكات بغياب الجسم الذي ينقلها، ينعدم الأنا ويتوقف الشعور.
سيعتبر "شوبنهاور"
لاحقا أن الأنا باعتبارها وعي ومعرفة بالعالم
والآخر، فإنها كذات إذ تستطيع معرفة غيرها، سواء كان آخرا أو موضوعا، فإنها عاجزة
على معرفة ذاتها، بهذا المعنى يقر شوبنهاور بأن « الأنا هو مجال
الوعي الأكثر غموضا، انه بمثابة العين التي تستطيع أن تبصر كل شيء ولكنها لاتبصر
ذاتها ».
إن المقاربات السابقة ستسهم إلى حد ما بدورها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، في
ظهور الحدث المعرفي الهام المتمثل في نظرية التحليل النفسي مع فرويد، التي قامت
أساسا على فرضية اللاشعور باعتباره المكون الأساسي للحياة النفسية.
يؤكد فرويد¹ Freud أن مشروعية الإقرار بوجود اللاشعور، تتحدد في مرحلة أولى، انطلاقا
من محدودية المعطيات الشعورية في تفسير مجمل الأفعال النفسية والتي لايمكن فهمها
بالاقتصار فقط على تلك المعطيات ، مما يطرح ضرورة الكشف عن معطيات أخرى تسمح
بتحديد دلالة الحياة النفسية في شموليتها وتفسح آفاقا جديدة أمام البحث السيكولوجي.
من منطلق الإقرار السابق، يعتبر فرويد² بأن تفسير وتحليل الأحلام والفلتات باعتبارها
معطيات لاشعورية دالة يمكنان من اكتشاف الرغبات المكبوتة التي تكون مصدرا لمختلف
العقد النفسية. وبذلك تتحدد قيمتها على المستوى النظري إذ تسمح بالكشف عن الكبث وتبرهن على
وجود اللاشعور.
بهذا المعنى يعتبر لاكان ³ بأن
تحليل الأحلام بالنسبة لفرويد يهدف للإبانة عن القوانين العامة التي تتحدد بموجبها
الحياة النفسية اللاشعورية سواء تعلق الأمر بالإنسان العادي أو العصابي، والتي
تطبع كل فعل من أفعالنا بطابعها الخاص وتؤثر على مجموع سلوكاتنا.
لقد تعرضت نظرية التحليل النفسي
للعديد من الانتقادات وخصوصا على المستوى اﻹبستمولوجي، حيث طرح التساؤل حول مدى علميتها وصلاحية منهجها لمقاربة
الظاهرة النفسية والكشف عن القوانين التي تتحكم فيها.
من هذا المنطلق يعتبر " فيتجنشتاين " أن القانون
العلمي يقوم أساسا على مبدأ العلية، ذلك أن العلاقة التي تربط الظواهر الفيزيائية
والطبيعية فيما بينها هي علاقة سببية، كما أن مبدأ العلية يتضمن إمكانية قيام
التجريب العلمي الذي يسمح بشكل قبلي بإعادة إحداث وضعيات تمكن من ملاحظة النتائج
المترتبة عن مسبباتها.
من هنا يخلص فيتجنشتاين إلى أن سعي نظرية التحليل النفسي للكشف عن الأسباب
المحددة للصيرورات النفسية، يحيل إلى مفارقة أساسية، على اعتبار أن التجريب في
مجال الظاهرة النفسية، لايمكن أن يتحقق وفق مقومات المنهج العلمي نظرا لخصوصية تلك
الظاهرة.
وفي نفس السياق، يشير " كارل بوبر " إلى أن الطابع
العلمي لكل معرفة تتأسس كنظرية تفسيرية، لايستبعد بتاتا نفيها بواسطة نظرية مناقضة
لها، ويفترض كذلك إمكانية إثبات عدم الصلاحية
إن مجمل المعطيات السابقة توضح الطابع الإشكالي لمسألة الوعي واللاوعي،
باعتبارها من جهة، مشكلة فلسفية (تتعدد المقاربات الفلسفية)، وارتباطها من
جهة ثانية بحقول معرفية أخرى تسعى إلى دراستها كبعد من الأبعاد الإنسانية
الأساسية، دون الحسم النهائي في طبيعتها أو استبعاد التساؤل الفلسفي بصددها.