المحور الثاني: الرغبة والارادة
الدلالة المعجمية لمفاهيم المحور:
يحيل مفهوم الرغبة على مجال الانفعالات
والأهواء وعلاقة الإنسان بجسده ونفسه. فالرغبة تحتل مكاناً مركزياً في حياة
الإنسان وتبدو كتحد لإرادته، فهي لا تقف عند حدود الحاجة، بل تهدد الفرد في توازنه
النفسي والإجتماعي. و يعرفها معجم " روبير" بأنها الميل في تحصيل شيء ما
بغية تحقيق اللذة، أما
في معجم " لالاند " الفلسفي فكلمة الرغبة
تعني
الميل العفوي والواعي نحو غاية معلومة أو متخيلة وضدها النفور.
- الحاجة: هي ضرورة
طبيعية ملازمة لوجود الإنسان ولبقائه، كالأكل والشرب، وتتطور الحاجات وتتنوع بتطور
وتنوع المجتمعات
- الارادة: أي تصميم واع على أداء فعل معين، ويستلزم هدفاً ووسائل لتحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى العمل الإرادي، وليد قرار ذهني. أن الطابع الإرادي لفعل ما، يظهر بوضوح شديد حينما يتعين على شخص أن يتغلب على عقبات معينة، خارجية أو داخلية، ليحقق هدفه والمرحلة الأولى لفعل إرادي تكمن في وضع الهدف واستيعابه.
ارتبط الرغبة بالحاجة كما رأينا في المحور الأول في إطار علاقة لاشعورية، يتم فيها الإنتقال من الحاجات البيولوجية إلى الحاجات النفسية اللاشعورية، لكن هل يمكن إغفال الوعي أثناء معالجتنا لمفهوم الرغبة؟ وإذا كانت الرغبة ميلا حول موضوع يكون مصدر إشباع، فهل هو ميل واعي إرادي أم لا؟ هل يمكن للإنسان أن يعي رغباته؟ وإلى أي حد يمكن الوعي بالرغبة؟و ماعلاقة الرغبة بالإرادة، التي تشترط وعيا مسبقا بالمرغوب فيه؟
تحليل نص اسبينوزا:
تشكل الرغبة حسب "سبينوزا"
(1632- 1677) ماهية الانسان، إذ أنها تتجذر في أعماقه، و لذلك فهي خاصية انسانية،
لأنها ترتبط بعنصر الوعي، فالرغبة هي الوعي بما نشتهيه و نريده و نسعى إليه،
الرغبة حسب "سبينوزا" قوة موضوعية لتأكيد الذات. وهكذا بالنسبة له هي
مصدر كل ارتقاء للإنسان، وتثمين للعالم من خلال القيم التي تنتجها. إننا لانرغب في
شيء لأننا نحكم عليه بأنه حسن، بل على العكس من ذلك، فهو حسن لأننا نرغب فيه.
إن النفس وعن طريق الأفكار والخواطر
العاطفية تكون بالضرورة واعية بذاتها، وهذا المجهود حينما يتعلق بالنفس وحدها يسمى
إرادة Volonté ولكن
حينما يتعلق بالنفس والجسد في نفس الوقت يسمى شهوة Convoitise /
Concupiscence ولا فرق بين الشهوة والرغبة، غير أن الرغبة تتعلق عموما بأفراد
الإنسان من حيث أن لهم وعيا بشهواتهم. إن الرغبة هي عين ماهية الإنسان، إنها الجهد
الذي يبذله الإنسان سعيا إلى الاستمرار في وجوده.
اذا كان الإنسان يعي رغباته فهو يجعل
عللها الحقيقية عموما، ولعل هذا هو السبب في تعريف الرغبة بكونها شهوة مصحوبة بوعي
ذاتها ليتسنى بذلك قلب التصور التقليدي للرغبة إننا لا نرغب في شيء لأننا نعتقد
أنه جيد بل هو جيد لأنه مرغوب و مشتها إلا أن الإنسان وهو يعي رغباته فهذا لا يعني
علمه بعلل وأسباب هذه الرغبات، لأن الرغبة لا تقتصر على قوانين العقل البشري، بل
تتعدداها إلى قوانين النظام الطبيعي الأزلي برمتيه، فليس الإنسان سوى جزء ضئيل من
هذا النظام و لا تكون معرفته به إلا معرفة جزئية تمكنه من معرفة غايات الأمور.
البنية المفاهيمية:
- الإرادة: هي الجهد التي تبذله النفس من أجل المحافظة على ذاتها، فالإرادة تتعلق بالتفكير و بالقدرة على الاختيار.
- الشهوة: حسب سبينوزا ذلك الجهذ الذي يبذله الجسم و النفس معا من أجل المحافظة على الذات، و القيام بما هو ضروري من أجل إستمرارها، فقد اعتبارها سبينوزا "ماهية الانسان ذاتها".
- الرغبة: هي شهوة مصحوبة بوعي ذاتها. أي أنها وعي الإنسان بما يشتهيه ويسعى إليه من أجل المحافظة على ذاته.
علاقة الارادة بالشهوة: الإرادة ذلك الجهد التي تبذله النفس (العقل) من أجل المحافظة على حياة الإنسان و استمراريتها. الشهوة ذلك الجهذ الذي يبذله الجسم و النفس معا من أجلاستمرار الإنسان في الوجود، كما أن الشهوة هي مايتحكم على الانسان فعله لكي يبقى حيا. هكذا فالإرادة هي خدمة الشهوة بحيث تزودها بالوعي، و تجعلها تتحقق وفقا لتدخل العقل.
البنية الحجاجية :
- أسلوب العرض و التوضيح: المؤشر اللغوي الدال عليه (كما كانت ..... فهي إذن ....)و مفاده: إن النفس تحافظ على وجودها بفضل ما تحمله من أفكار، كما أن النفس تعي ذاتها بواسطة هذه الأفكار، فهي إذن تعي ذلك الجهد الذي تبدله من أجل المحافظةعلى استمرار وجودها.
- أسلوب التعريف و التقسيم:"التمييز بين الإرادة و الشهوة "
- أسلوب الاستنتاج: ( لقد غدا من الثابث ... من خلال ما تقدم أن ,,,) مضمونه: أن ما يجعل الشيء طيبا أو غير طيبا هو أننا نشتهيه و نرغب به، و ليس العكس هكذا نلاحظ تأسيس سبينوزا للأخلاق على أساس الرغبة.
- أسلوب المثال: (فإذا قلنا مثلا,,,, بناء منزل...) مضمونه: لا تقتصر الرغبة في بناء السكن فلقط بإعتباره علة غائية بل بعلل أخرى في هذه الرغبة، و هي علل غالبا ما نجهلها.
تحليل نص جيل دولوز: الرغبة انتاج اجتماعي:
صاحب النص:
موقف جيل دولوز:
حجاج النص:
- عرض النص في البداية أطروحته نظرية التحليل النفسي التي ترى في الرغبة غيابا للموضوع الواقعي، فيلتجأ الإنسان للاستيهمات كتعويض له.
- يفسر النص الاطروحة السابقة من حيث ان موضوع الواقعي المفتقد في الرغبة يتجه الى أن ينتج خارج الذات فيقترن بموضوع متخيل.
- انتقد النص الطرح التقليدي النفسي للرغبة من حيث انه يسقط في نوع من المثالية والميتافزيقية.
- قدم النص أطروحته التي تجعل من الرغبة إنتاج للواقع بالتالي فهي مع موضوعها شيء واحد.
- أخيرا يؤكد على الطابع الإجتماعي للرغبة التي تبقى مرتبطة بالسياق التاريخي.