المحور الأول: المعرفة التاريخية:
تقديم:
يملك الانسان باعتباره كائن عاقلا واعيا كاملا بأن حاضره ما هو إلا نتاج لتراكمات سابقة؛ الشيء الذي يولد له فضولا لامتناهيا من اجل معرفة هذا الماضي، والوقوف بشكل دقيق على روابطه بالحاضر؛ لكن تحقيق ذلك يواجه صعوبات تجعل بلوغه امرا في غاية التعقيد، فما يسعى الى معرفته لم يعاصره ولم يلتقي باحد من شخصياته؛ مما يعني ان كل ما يمكن أن يصل اليه لا يستطيع الجزم مطلقا بأنه صحيح أو خاطئ. باي معن تكون المعرفة التاريخية معرفة ممكنة؟ وكيف يمكن دراسة وفهم احداث الماضي دراسة علمية وهي احداث مضت ولم تعد موجودة؟
المعرفة التاريخية - مفهوم التاريخ - دروس مادة الفلسفة الثانية بكالوريا |
تحليل نص بول ريكور:
صاحب النص:
أطروحة النص:
ينظر بول ريكور الى التاريخ باعتباره ظاهرة علمية يستوجب تفكيكها وفهمها، الاعتماد على ضوابط المعرفة العلمية المنظمة؛ من خلال اشتغال على الوثائق والاثار؛ بداية بملاحظتها، ثم تكوين فرضيات عنها ليعمل بعد ذلك الباحث على استنطاق ونقد ليتوصل في الاخير الى تكوين معرفة تاريخية دقيقة اساسها النقد.
ليس التاريخ حسب بول ريكور، عملا قائم على السرد والحكي، وانما هو مجال تكويني صرف؛ الوقائع والأحداث لا تشكل تاريخا الا بعد إخضاعها للمساءلة والنقد، قبل هذا فهي مجرد مادة خام تحتاج الى عمليات منظمة كي يصير لها معنى وقوة.
مفاهيم النص:
- التاريخ: هو مجموع الوقائع والأحداث التي وقعت في الماضي،
- النقد: عملية عقلية يقوم بها الفيلسوف بنقد جميع المعارف وإخضاعها للفحص والمساءلة من اجل بلوغ معرفة موضوعية.
البنية الحجاجية:
للدفاع عن اطروحته وظف بول ريكور بنية حجاجية تتمثل في:
- تأكيده على أن فهم الماضي يثم من خلال الأثار والوثائق واعتماد الملاحظة من اجل تسجيل المعطيات.
- إعطاء صاحب النص تفسيرا للموضوعية التاريخية، باعتبارها ناتجة عن ممارسة المنهج التاريخي.
- استشهاد بجورج كونغيلهم الذي اعتبر أن الواقعة العلمية هي جزء من الواقعة التاريخية.
موقف هنري مارو:
حسب هنري مرو فالتاريخ ليس سردا للماضي ولا نقلا للتجارب السابقة؛ وإنما هو بالدرجة الاولى عمل بنائي عن ذلك الماضي، يقوم المؤخ خلاله بتشكيله في ذهنه قبل مباشرة عملية كتابته، وذلك تلافيا لتسرب أخطاء ومعارف غير دقيقة إليه؛ على هذا الأساس يغدو التاريخ علما يقوم أسسه على ضوابط المعرفة العلمية، ويتعارض في الأن نفسه مع كل معرفة غير ممنهجة أو عقلانية.
فهنري مرو باعتباره مؤرخا فهو يرفع عن التاريخ كل نظرة تجعل منه عملا أدبيا خالص، ومن تمة مجال يتسع لجميع الأفكار والمعارف التي ينتجها الذهن الإنساني. التاريخ هو بناء واع معقلن لماض ما، وذلك باعتماد اليات وأسس تنهل من العلوم الحقة، فالتاريخ بهذا المعنى يتعارض كليا مع الأسطورة والحكاية والمعرفة العامية.
موقف ريمون أرون:
يؤكد أرون بدوره، أن التاريخ يبنى ويعاد تشكيله انطلاقا من آثار دالة عليه، وذلك بغرض تكوين فكرة صحيحة عن الماضي ؛ وهكذا يكون الرجوع إلى الماضي موجها بغايات مسبقة، وهي معرفة أنماط السلوك وعوالم العيش التي كانت سائدة فيه.
يتشكل الماضي انطلاقا من وثائق و آثار دالة عليه ؛ مما يعني أن عمل المؤرخ لا ينصب إلا على تلك الزوايا التي لازال يحتفظ عما يدل عليها ؛ فالمؤرخ إذن يستطيع أن يكون معرفة عن الماضي عن طريق فحص وتحليل الوثائق التي لازالت تشهد على مرحة زمنية ما ؛ غير أن هذا التعلق الشديد بالتاريخ له ما يبرره، ذلك أن الإنسان، إذ يعيد تشكيله فليس لأجل الترف وتضييع الوقت ؛ وإنما فقط لغرض معرفة حجم التطور الموجود بين ماض وحاضر معين، إضافة إلى عد الجوانب المشتركة والمختلفة بينهما.