منهجية تحليل النص الفلسفي:
المرحلة الأولى تأطير التص ضمن السياق الفلسفي:
- تحديد المجال الاشكالي للنص: تحديد المجزوءة +تحديد المفهوم +تحديد المحور.
- بناء تساؤل فلسفي انطلاقا من المفارقة المستخرجة أو المبنية من خلال مضمون النص وإبراز الرهان المرتبط بالإشكال.
المرحلة الثانية: التحليل
- تحديد الأطروحة و شرحها
- تحديد المفاهيم و شرحها مع إبراز العلاقة القائمة بين المفاهيم في إطار الإشكال
- تحديد الحجاج المعتمدة في الدفاع عن أطروحة النص.
المرحلة الثالثة: المناقشة
- التساؤل حول أهمية الأطروحة بإبراز قيمتها و حدودها
- فتح إمكانات أخرى للتفكير في الإشكال الذي يثيره النص
الرحلة الرابعة: التركيب
- استخلاص نتائج التحليل و المناقشة
- امكان تقديم رأي شخصي مدعم
الجوانب الشكلية: تماسك العرض وسلامة اللغة ووضوح الخط.
منهجية تحليل نص فلسفي - الرغبة والسعادة |
نموذح تطبيقي لتحليل نص فلسفي :
نص ابيقور من الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة لسنة اولى بكالوريا مسلك الاداب ص 37.
تأطير النص:
شكل السؤال عن الإنسان من داخل الفكر الفلسفي الغياب الذي يثوى خلف حضور مبحث الوجود الذي ظهرت معه الفلسفة في صورتها الأولى كتساؤل عن أصل الوجود و طبيعة. إلا أن هذا الغياب سرعان ما بدأ بالكشف عن نفسه كاهتمام أساسي لكل تفكير فلسفي. خصوصا مع ذلك التحول الذي أحدثه سقراط من سؤال الوجود إلى سؤال الإنسان بتأكده على ضرورة معرفة الإنسان لذاته و هو ماترجمه في قوله :"أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك".
إن هذا الإهتمام الفلسفي بالإنسان بهذا المعنى رهين بذلك التحول الذي أحدثه سقراط في تراتبية الموضوعات الفلسفية من الوجود إلى الإنسان. وهو ما جعل من شيشرون القول"بأن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض". و بذلك أصبحت الفلسفة أساسا تساؤل عن الإنسان كونه مصدر المعرفة الذي نعي من خلاله موضوعات العالم. لكن الجانب المقلق في سؤال الانسان ليس هو الانبثاق التاريخي لمفهوم الإنسان كإهتمام فلسفي بل هو الحد الذي نسعى عبره الوصول لماهية الانسان و محددات هذا الوجود الانساني، وعليه، إن الوجود الإنساني وجود متأرجح بين الحضور الكامن في الوعي و الغياب المتضمن في الجسد و إذا كانت الفلسفة منذ بدايتها حطت من قيمة الجسد وجعلت منه مجرد سجن للنفس فإنها في المقابل عملت على الإعلاء من قيمة العقل و تمجيده بحيث جعلت الوعي الخاصية المميزة للوجود الإنساني، وبالتالي فالإنسان كائن واعي يعي ذاته ورغباته بإعتبار أن الرغبة تقع في صميم إنسانية الكائن البشري، فتاريخ الإنسانية هو تاريخ الرغبات.
ويتسع هذا المفهوم لمعان و دلالات تجعله تجعله ينتمي إلى حقول معرفية تتعلق بالمجال السيكولوجي والإجتماعي، الأخلاقي والديني. غير أن طرح هذا المفهوم طرحا فلسفيا يشكل مناسبة للوقوف عند الإنسان من حيث هو كائن راغب، منفعل, هاو. مريد ومفكر.
فالرغبة تنبثق من مجال الميل و الأهواء و الإنفعالات، فبقدر ما ينفعل الإنسان بها بقدر ما تجعله يتحول إلى فاعل لتحقيق تلك الرغبة، ولكن كلما إبتعدت الرغبة عن الارادة، كلما عبرتعن جنوح الأهواء والإنفعالات و أصبحت تهدد الفرد في كيان سعادته و تتسبب في شقاءه، و لاسيما أن الإنسان يرغب فيما يحقق اللذة ويتجنب ما يحقق الألم، كما أن الإنسان بقدر ما يعلي من الرغبة التعلقة بالروح بقدر ما يحقر من الرغبة المتعلقة باللذة أي الجسد.
و من هنا تطرح علاقة الرغبة بالسعادة. عندما تتجاوز الأهواء حدود الإعتدال تتسبب في شقاء الفرد.
ما الرغبة؟ و ما طبيعة العلاقة بين الرغبة و السعادة؟ و كيف يمكن إرضاء جميع الرغبات؟أم يجب الإقتصار على الر غبات الإيجابية؟ أم أن هذا التصنيف المعياري سوف يؤدي إلى إهمال الرغبات اللاشعورية؟
تحليل النص:
إن مقاربة مفهوم الرغبة في علاقته بالسعادة، يحيل بالضرورة إلى طرح المستويات الأساسية التي يمكن من خلالها معالجة مسألة الرغبة من حيث أنها متعددة ومتنوعة حسب موضوعها وغاياتها وبحسب درجة أهميتها بالنسبة لكل فرد، والرغبة ليست ثابت، بل تنتقل من موضوع إلى آخر، إنها قابلة لأن تشمل الحياة كلها.
و أن الإنسان بحكم طبيعته تسكنه قوة جامحة نحو للرغبة تجعلها لا محدودة. فكل واحد يرغب في كل شيء، يرغب في تحقيق أكبر قدر من الرغبات للشعور باللذة، هو ما ذهب إليه "أبيقور" لكن بالرغم من أنه يرى أن اللذه هي طريق السعادة، فإنه يؤكد على أن اللذه ليس خيرا مطلقا. فكثير من اللذات تؤدي إلى نتائج غير سارة فتكون بذلك شرا، فمن هنا يرى "أبيقور" ضرورة التمييز بين الرغبات الطبيعية و الرغبات الزائدة غير طبيعية، و من بين الرغبات الضرورية ما يكون من أجل السعادة، ومايكون من أجل الراحة الدائمة للجسم (تجنب الآلام) ومايكون من أجل الحياة ذاتها.
وهكذا أن السعادة ليست في عدد اللذات بقدر ماهو في حسن استعمالها. ومعنى ذلك أن على الإنسان أن يرفض بعض اللذات التي تِدي إلى الآلم، وأن يقبل بعض الآلام المؤقتة إن كانت وسيلة ضرورية للشعور بلذة دائمة، ليخلص إلى أن قبول الحياة كما هي والتلذذ بالحاضر والتحلي بالقناعة، مظاهر للمثل الأعلى لحكمة إنسانية في متناةلنا وطريق السعادة الممكنة القائمة على الراحة النفسية والإنسان مع الذات والطبيعة.
نخلص إذا من خلال تحليل هذا النص إلى أن الرغبة في الحياة السعيدة تكمن في سلامة البدن و بغياب اضطرابات النفس أي بالحفاظ على توازن النفس والجسد معا من خلال التمييز بين الرغبات الضرورية الطبيعية و اخرى عبثية,
مناقشة النص:
إن هذا التصور المادي الذي اشتهر به الفيلسوف اليوناني "أبيقور" الذي أكد على أن المتعة أو اللذة التي نجنيها من الرغبة هي بداية الحياة السعيدة،و هي المرجع الذي نلجأ إليه كلما أخذنا الإحساس الحاصل لنا كمقياس للسعادة، ولما كانت اللذه هي الخير الرئيسي و الطبيعي، إلا أننا لانبحث عن أي لذة كيفما كانت، بل نتنازل أحيانا عن ملذات كثيرة نظرا لما تخلفه من إزعاج، كما أننا نفضل الآلم شديدة إذا كانت تسمح لنا بالفوز بلذة أعظم.
إلا ان نص أبيقور له قيمة فلسفية يمكن إستخلاصها في أربعة أفكار وهي:
- تعدد الرغبات وتنوعها يفرض علينا التمييز بين الرغبات التي تخضع لنا وبين ما ليس متوقفا علينا.
- إن الرغبات ليس لذاتها بل لإستمرارها ومنفعتها في الحياة.
- رفض الرغبات التي تسسب في اضطرابات النفس.
- الإقبال على الرغبات النفسية والفضائل الأخلاقية المحققة للسعادة.
و من خلال مقاربة القضية الاشكالية الرغبة و السعادة، نجد في نفس طرح الذي ذهب إليه الفيلسوف اليوناني "أبيقور" نجد الفلسفة "الرواقية" و الذي يقوم الفيلسوف "روني ديكارت" بتبني ثراتها. فهناك رغبات تخضع لسيطراتنا وأخرى ليست كذلك،فقد تتحول الرغبة إلى تعاسة وشعور بالعجز ونفور من الحياة عندما ترتبط بأشياء يتعذر علينا الوصول إليها أو الحصول عليها،و هذا ما أشار إليه أبيقور في نصه حيث أكد على ضرورة أخذ الرغبات الطبيعة والضرورية للحفاظ على استقرار النفس و توازنها وتجنب الآلم، لذلك حسب الرواقية على الإنسان أن يتعلم كيف يرغب ويريد. و ينبغي أن تتحول الرغبات إلى إرادة قوية فاعلة.
لكن هل يمكن أن نقبل بهذين التصورين كحل إشكالية الرغبة والسعادة، بمعنى آخر ألا يمكن أن تكون الرغبة مصدر الندم و الحسرة والتعاسة عوض أن تكون مصدر السعادة والبهجة؟
في مقابل التصور المادي الذي لم يلقى القبول من الفيلسوف العربي" أحمد مسكويه"الذي أكد رفضه للتصور الذي يحصر السعادة في اللذة البدنية، وهذا الموقف في نظره هو موقف الجمهور من عامة الرعاع و الجهال...لأنهم جعلوا النفس الشريفة عبدا و أجيرا لدى النفس الدنيئة, يلخص "أحمد ابن مسكويه" التصور الفلسفي الاسلامي لعلاقة الرغبة بالسعادة، حينما يربط بين الرغبة والفضيلة والنفس والتربية الأخلاقية.
والهدف في نظره من البحث في طبيعة النفس البشرية هو تقويم الأخلاق وتهذبيها وبالتالي تحقيق السعادة التي تقوم على أساس الاطمئنان النفسي.
ويرى "ابن مسكويه" أن السعادة في التحرر من رغبات النفس الشهوانية واعتناق رغبات النفس العاقلة وما يرتبط بها من رغبات فرعية: الذكاء،الذاكرة، التعقل،سرعة الفهم، سرعة التعلم. وعندما يتحقق التوازن النفسي تتحقق العدالة في النفس، فتتطلع إلى رغبات الصداقة والألفة ،المشاركة، العبادة والقناعة...ولكن عندما يميل التعوازن إلى الذات الحسية ينحدر الإنسان إلى مصاف الحيوانات ولذلك يحصر "ابن مسكويه" على تهذيب النفس حتى تشتاق إلى اللذات العقلية بإعتبارها أشرف وأكمل اللذات.
يعتقد "المتصوفة" أن الرغبة في الحياة السعيدة لاتكون إلا بالعرفان ولا تدرك إلا بالإشراق والمشاهدة فيحيى العارف بالله نشوة روحية نتيجة الإلهام الذي يعمر قلبه, وهكذا فمقام السعادة يتجاوز مستوى رغبات النفس العاقلة التي تظل سجينة قيود العقل بقياساته ومقولاته.
التركيب:
من خلال ما سبق تبين لنا أن الفيلسوف اليوناني "أبيقور" عالج في نصه هذا القضية الإشكالية المتعلقة بعلاقة الرغبة والسعادة، اللذة و الآلم، بحيث تصبح الرغباتنا هي مصدر للشعور باللذة و السعادة وفي نفس الوقت مصدر للآلم و التعاسة، لأن لا يمكن تحقيق كل رغباتنا كما يقول أبيقور، يجب التمييز بين رغبات طبيعية ضرورية في نفس الآن، وأخرى غير طبيعية وهي غير ضرورية كالبحث عن الكمال ،البذخ.....أبيقور حاول بناء نصه بمجموع من المفاهيم الاساسية من بينها (الرغبة /اللذة/الآلم....)و دفاع عن أطروحته ببنية حجاجية قوية حاول من خلالها (جعل اللذة في مرتبة الحكمة )، لكن لم يكن هو الفيلسوف الوحيد الذي حاول مقاربة هذه القضية الاشكالية، بل تعددت تصورات ومواقف الفلاسفة بين من هم مؤيدون لطرح ابيقور وبين مم هم معارضون لهذا الطرح، هذا ليس بالغريب عن القضايا الفلسفية عامة دائما من نجد تعدد وتنوع واختلاف المواقف بين الفلاسفة؟
فيا ترى اذا كان الإنسان كائن راغب حسب قول سبينوزا بمعنى أن الإنسان كائن غير مكتمل تنقصه دائما بعض الأشياء دون أن يعرف ماهي، كما ينقصه الآخر، لأنه غير تام وغير مكتمل، فهل هذا مايبرر أن الإنسان هو كائن إجتماعي بطبعه حسب قول "أرسطو"
إذن ما أساس الإجتماع البشري؟