تحليل نص كانط:
في اطار مناقشة قضية قيمة الشخص، جوابا عن سؤال اين تكمن قيمة الشخص؟ يجيبنا فيلسوف الألماني كانط (1804-1724) - من خلال نصه قيد التحليل والمناقشة - في ذاته؛ مما جعل كانط في بداية نصه ينطلق من التمييز بين الانسان ككائن داخل نظام الطبيعة، كائن متل باقي الكائنات-الأشياء يحوز قيمة مبتذلة (مشروطة).
لكن وبحيازته لملكة الفهم[1]
فإنه يسمو عن باقي الكائنات-الأشياء، رغما ذلك لازالت قيمة الشخص قيمة خارجية
نفعية –تمكننا فقط من تفضيل إنسان عن أخر- هنا يدعونا كانط الى النظر الى هذا
الكائن باعتباره شخصا بمعنى حينما
يحدث ذلك؛ أي النظر اليه كذات لعقل أخلاقي عملي انذاك يمكن تقديره كغاية في
ذاته؛ يملك كرامة، وبهذا يرغم باقي الكائنات العاقلة على احترام ذاته، يتبادل معها
الاحترام نفسه على اساس المساواة.
من خلال ماسبق ذكره يصبح للشخص قيمة مطلقة، تمنع علينا ان نساومه بالأشياء
وتفرض علينا التعامل معه كغاية في ذاته لا كوسيلة.
البنية المفاهيمية للنص:
-
الشخص: ذات واعية عاقلة قادرة على التميز بين الخير
والشر، الصدق والكدب، تحمل مسؤولية افعالها قانونيا أخلاقيا.
-
قيمة مبتذلة: بمعى قيمة منخفضة أو متدنية كما يمكن أن
تحيل على ان قيمة الشيء مشروطة بشرط حينما يغيب الشرط تغيب معه القيمة.
-
قيمة مطلقة: تأتي في مقابل قيمة مشروطة، بمعنى أن الشخص
له قيمة كونية عامة ليست محددة بشرط أو بشيء.
البنية الحجاجية للنص:
لا يخلو النص الفلسفي من بناء الحجاجي، الامر الذي دفع كانط الى افتتاح نصه
بالتمييز بين الانسان وباقي الكائنات فيجد ان هذا التمييز قائمة على الوظيفة
والمنفعة فقط، من هنا ينتقل الى اعطاء تحديد ادق لهذا الكائن الا وهو الشخص معرفا
ايه باعتباره كائن عاقلا يتصرف وفق العقل الأخلاقي العملي.
يظهر لنا إذن من خلال ماسبق كيفية عمل كانط على المقارنة بين الإنسان
والحيوان والشيء مميزا الانسان –الشخص- عن ماسواه.
الكائن العاقل |
الكائن المحروم من العقل |
-
ينتمي الى مملكات الغايات -
غاية في ذاته -
حر -
له قيمة مطلقة -
له كرامة (ما لايقدر بسعر) -
عليه أن يتصرف وفق أوامر العقل (الوجبات) - يحترم |
-
ينتمي الى مملكة الطبيعة -
وسيلة أو أداة -
خاضع للضرورة -
له قيمة مشروطة -
يحدد بسعر -
يتصرف وفق قوانين الطبيعة -
يستعمل |
المناقشة:
تكمن أهمية الاطروحة
الكانطية في كونها حددة قيمة الشخص في قدرته على السمو عن باقي الكائنات بواسطة
الإنصياع للعقل العملي مما يجعله قادرا على صياغة القوانين الأخلاقية وتطبيقها على
نفسه وعلى الأخرين. بالتالي يصبح الانسان قادرا على تشريع قوانين الاخلاقية لنفسه
مما يمنحه كرامة خاصة تجعله مساويا لباقي الأشخاص، بعبارة اخرى الإنسان غاية في
ذاته وهذه فكرة أساسية في الفكر الأخلاقي.
بالإضافة الى ان فكر كانط الاخلاقي كان له اثار بالغ الاهمية في تطور مفهوم
حقوق الإنسان، لكل فرد حقوق أساسية لايمكن المساس بها بغض النظر عن عرقه أو دينه
أو جنسه. تدعم فكرة الأنسان غاية في ذاته
مسألة الديمقراطية؛ أي ان لكل فرد رأي وصوت في إدارة شؤون المجتمع.
لكن، كل أطروحة فلسفية كما لها
جوانب قوة وأهمية، هناك حدود؛ والتي تتمثل في كون التصور الكانطي يواجه صعوبة من
حيث التطبيق العملي خاصة في الحالات التي تتضارب فيها حقوق الأفراد، ما يدفعنا الى
القول أن التصور الكانطي تصور متعالي عن الواقع؛ تصور مفرط في المثالية؛ أكثر
تجريدا ولا يأخد بعين الاعتبار الطبيعة المعقدة للانسان الى جانب الظروف
الإجتماعية التي يحيها.
موقف هيغل:
من هنا يمكن الإنفتاح على تصور فيلسوف
هيغل (1770-1831) الذي يحدد قيمة الشخص في عنصر مغايير لي سابقيه، ألا هو الإمتثال
لروح الشعب؛ يعتبر الإنسان كائن اجتماعي أي جزء من الجماعة بطبيعة بالتالي
قيمته تكمن في علاقته بالاخرين؛ باعتبار الجماعة هي الوسيلة التي من خلالها يمكن
للإنسان أن
يحقق ذاته ويطور من نفسه ليكتسب من خلالها قيمته، يقول هيغل في طيات نصه:
" لا يكتسب الأشخاص قيمة ما إلا حينما يمتثلون لروح شعوبهم، وحينما يمثلونها
يحتلون مرتبة معينة داخل حياة المجموع..."
يجدر الإشارة هنا الى أن هذه القيمة التي تمنح لشخص داخل المجموع محددة بواسطة
المرتبة التي يخترها الفرد؛ لان ذلك يعود الى الوظيفية التي يقوم بها الفرد أشبه
في ذلك بنظام الطبقات الاجتماعية. يقول هيغل: "الأفراد يقومون بالمهمة التي
أسندت إليهم وهم ملزمون بالقيام بالواجب وعليه فإن قيمتهم الأخلاقية تكمن في
سلوكهم الممتثل للقانون".
[1] ملكة الفهم: هي أداة عقلية أساسية تمكننا من
فهم العالم من حولنا، إنها تلعب دورا حاسما في عملية المعرفة، ولكنها ليست قادرة
على الوصول الى معرفة مطلقة.